Friday, November 11, 2011

رِسَـــالَة ،، إِليْـــكَ بُنَيّ



×××

التجاهل... مؤلم...
ولكن الصد، أكثر إيلاما...
الرفض، أكثر إيلاما، أعمق جرحا... أشد وجعا...
نستطيع تحمل كل شيء.. حتى التجاهل... نستطيع بقدرة خارقة في أنفسنا على التغافل... أن نتناسى، ونصفح عمن نحب.. لا لحاجة فينا، لكن لأننا نحبه وحسب...
ونعود مرة أخرى، لـ نبتسم في حضرته، وحضرة الذاكرة، وحضرة الألم... لا لعلة فينا... لكن لأننا نحبه وحسب... لأننا نريدهم أن يعودوا لنا في نهاية الأمر... لأننا نكره البقاء وحيدين... والبقاء متجاهلين...
لأننا نكره الوحدة في الظلام...

×××

متنقلين في فصول حياتنا، عاما بعد عام، ننهمك في شؤوننا، صغيرة كانت أوكبيرة.. بدون أن نتوقف للحظات، ونتفس الصعداء .. ونتأمل ماحولنا وحسب..
هكذا كان هو، مشغولا بعمله، مشغولا بشدة.. لدرجة أنه لم يلحظ أن ابنه نما انشا كاملا.. وحصل على أعلى درجة في اختبار مادة العلوم في الأسبوع الماضي..
×××

راقبه ابنه الصغير وهو يقطع الردهة جيئة وذهابا... واضعا يده تحت ذقنه، عاقدا جبينه، ويهمهم بين الحين والاخر...

أمسك أمجد بكوب حليبه الفارغ، وظل يراقب والده...
حتى صاح والده فجأة "أها ! وجدتها !" وأسرع بخطاه إلى مكتبه، وأغلق الباب خلفه...
لم يكن بالمنظر الغريب.. إنها فقط "احدى حالاته تلك"...

نزل أمجد عن كرسيه، ووضع كوب حليبه على مغسلة الصحون، ثم رفع ثقل نفسه على أطراف أصابعه، ليفتح صنبور المياه، ويغسل كوبه مستخدما أطراف يديه، فيكاد أن ينزلق من يديه ما بين الفنية والأخرى.. حتى انتهى من غسله، فوضعه مقلوبا ليجف..

ركض في الممر ليصعد الدرج على عجل،لأنه شعر بحاجة لاستخدام دورة المياه...
لكنه تفاجأ عندما وجد الباب مغلقا !
لابد أن والده أغلقه بعد مغادرة السمكري !
لحظة ! المفتاح بأحد تلك الأدراج ! ظل يبحث ويبحث بلا جدوى...

ركض بخطاه المتقاربة إلى مكتب والده،  وقف على أطراف أصابعه، ليصل إلى المقبض ويديره..
أفلت المقبض وولج الغرفة بخطى مترددة...

رفع الوالد رأسه عندما شعر بدخوله، ثم صاح "ماذا أخبرتك بشأن دخول المكتب عندما أعمل ؟"
استاقه والده خارجا، ثم عاد أدراجه موصدا الباب خلفه..

ظل والده في تلك الصومعة لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات..
حتى خرج بعد فوات موعد الغداء... صعد إلى غرفة ابنه، ليسأله ما اذا أراد البيتزا أو شيئا اخر...
أدار المقبض، وفوجئ بالمشهد أمام عينيه...

كان أمجد يحمل شراشف السرير بين يديه، مبللة تماما ! وكذا حال بنطاله !
.
.
.

تبادلا النظرات لثوانٍ...
حتى عقد والده جبينه بغضب وصاح قائلا "ما الذي فعلته؟؟ لماذا لم تذهب إلى الحمام؟؟ أولم تكبر على هذا الفعل ؟؟"
اقتلع الشراشف من بين يديه، وصاح "اعطني هذه ! اذهب الان !"

فيما كان أمجد يحدق إلى الأرض، يستمع لكلمات والده وهو يعنفه... تجمعت الدموع في عينيه...
وبسرعة لم يتداركها والده، كان أمجد يبكي ويشهق.. ويكفكف دموعه بيديه وقميصه..
عدا إلى دورة المياه مرة أخرى، أمسك بالمقبض وأصبح يديره عده مرات بكلتا يديه.. ومازال يرفض أن يفتح...

تقدم والده متسائلا "ما الخطب ؟؟"

بأنفاس متقطعة، وغصة في الحلق قال كلماته "لم... أستطع... ناديتك... لم تأتِ"

لاذ والده بالصمت.. وأخرج المفتاح من بين سلسلة مفاتيح جيبه هو.. وفتح الباب...
ولج أمجد إلى الحمام بسرعة.. فيما عاد والده لينظف تلك الفوضى...

×××

في المساء..

حين حل موعد نومه، كان الأب كعادته قابعا في مكتبه، بين أكوام من الأوراق والكتب.. خلف شاشة حاسوبه التي أشحبت لون بشرته...
أُدير مقبض الباب ببطء... فرفع ناظريه، وحدق منتظرا...

ظهر ابنه أمجد خلف الباب.. مستعدا للنوم، بقميص نومه المزركش بالسيارات...
بعلامات ذنب ترتسم على محياه، كان ينقل بصره من الأرض إلى والده..
"ما الذي أتى به ؟" فكر والده..

وقبل أن يسأله، كان أمجد يركض نحوه بخطى واسعه.. عانقه، وقبله قبلة المساء.. ثم خرج من الغرفة مسرعا...
ولم ينس أن يوصد الباب خلفه...

لحظات من الصمت، والتفكير المشوب بالذنب.. مرت بالوالد... أهي عفويته أم براءته التي أثرت فيه؟ أم هو إحساس المتأصل بالتقصير ؟ أم خيبته في نفسه كـ أب ...
علامات حزن ارتسمت على محياه.. لأنه يدري أن كل شيء ما كان إلا بهفواته...

شعر بحلول موعد هجر هذه الشرنقة، حتى يفتح عينيه على حياته من جديد...

خرج من مكتبه، صعد الأدراج يجر أذيال الحياء... وصل الغرفة، وفتح الباب...
كان هناك، مستلقيا.. متوسدا رأسه الصغير بكفه الأيمن... كم بدا جميلا كالملاك.. متورد الخدين، طويل الأهداب كأمه...

تبسم، ثم جلس بجواره على السرير.

قبله قبلة المساء...
كان بقبلته تلك، يتذكر كل مرة عنفه فيها، كل مرة أخطأ فيها أمجد ارتداء جواربه، أو نسي شيئا من آداب المائدة.. عنفه كما لو كان يبلغ من العمر أربعينه، ومن خبرة الحياه أجمعها...

كان بقبلته تلك.. يتوعد ابنه بغد أفضل... بأيام وسنين يرسمانها سوية بألوان الطيف... بحنان أبيه، وحب أمه سوية...

أنه سيعود بعد غيبة، ليكون أباه مجددا... ليداعبه، ويضحكه، ويساعده عندما يحتاج إليه...
وأحيانا كثيرة ... لينصت إليه وحسب... ليكون رفيقه...

أمجد، بدا كما لو أن قلب والده حدثه بكل شيء، تبسم نائما... مُرحبا بعودة والده من جديد.


×××

للأمانة القصة مستوحاة من رسالة قرأتها في كتاب لـ ديل كارينجي قبل فترة...
أعجبتني فكتبتها على شكل قصة =)

Sunday, November 6, 2011

أنت نهاري وليلي }}




أراك في كل حين، في خفوت ضوء القمر، في انهمار قطرات المطر.. في شروق الشمس وضحكات الأطفال ..

أنت ،، يا نهاري وليلي..
في النهار، أسرح بالتفكير بك.. وأنسج قصصا لم تحدث بيننا.. 
أما في الليل، أتخذ مجلسي المعتاد، بقلمي وورقي اللذان حفظا كل تضاريسك.. لأنخرط في حالة أخرى من حالات السكون التام إليك.. أو الجنون التام بك...

أن يعجب الجميع بما أكتبه إليك وحدك، هو نوع من السخرية التامة.. ونوع من الهزل، الذي لا يخلو من الألم...
وأن أكتب عن الألم ولا أجد ترياقا لألمي لديك، هو نوع من الموت البطيء..

رسائل بأقلام حمراء وزرقاء أكتبها إليك.. عرضها بعرض السماء، وعطرها يفوح من أنفاسك..على ساق حمامة زاجل، أطلقها إليك، لتستدل على طريقها بنورك..
رسائل أسطرها أمام ملأ من البشر، دون أن أكترث، بأن يعلموا كل ما أسره لك قلبي..
رسائل كلما حملتها بين يدي، تحملني إلى الذكريات..

أحب الكتابة إليك.. حتى ولو لم تقرأ ما سطرته يداي... حتى ولو لم يكن لنا في الزمان نصيب.. حتى وإن كان مصيرها مهملات قلبك...
و إن كنت على بعد أميال عني، وسطر من قلمي..
كيف أسطر لك أشواقي ؟ كيف أكتب عن ما لا يستوعبه صغر قلمي، وكبر حبي ..
كيف أعلمك .. أنني ما عدت أنا بعدك.. أنني ما عدت أحب إلا ما أحببته، ولا أذهب الا لمكان احتواك.. ولا أكتب إلا بك أو إليك.. كأن روحي تجردت إليك.. وقلبي يسكنك..


كم هي متعبة الأيام بدونك، وكم هو مرهق فراقي عنك.. يالاسوداد قلبي بعدك.. ويالاشراقه بك..
انت.. يا شمسي وقمري... يا فرحي وبهجتي..
يا ألمي المضني، ووحشتي اللعينة...

كم أشتاق إليك..
كم أود أن أنطق بها، في لحظة انفعال، تأخذني إليك... إلي يدين منقوشتين بالذاكرة، يدين كانتا تحملان كفيّ في كل لحظة انفعال، وكل لحظة وجع...
ليت كل أيامي كانت معك اشكال من الانفعالات.. وليتها كانت كلها لحظات لا تنتهي من هذا الوجع الجميل...


أكون أحيانا على مقدار كاف من الحماقة، لأسرح بأفكاري، حيث تأخذني إليك.. وأتساءل إذا كنت تشتاق إلي.. أو إذا حملتك أشواقك للتفكير بي.. إذا فعلا لم تنسني ؟
اسمح لي بأن أتحامق قليلا.. أن أكذب على نفسي قليلا.. أن أتوهم حبك قليلا...
وأسترسل في أحلام لا تفارقني..
وأتذكر كل ماكان بيننا.. فإن الذكريات هي داء القلب.. والنسيان دواؤه.. والنسيان حل ماعاد واردا لقلبي المعتل...


أتذكر كل كلمة نطقتها.. بتشكيلها ومخارجها، بملامح وجهك وتقاسيمه.. بضحكاتك، وتبسماتك، واستراقك اللحظات، لتتأملني..
أسرح في الذاكرة ... بين كل ما حدث بيننا.. وكل ما لم يحدث...

ذكريات حفرت بالذاكرة، سعادة مؤقتة أدين بها للأقدار.. ثم أحلام رقدت في سلام بلا عودة.. كنت أنت حلمي، ورقدت في قلبي بسلام إلى الأبد..
أحتويك.. لأنني قد أعيش بدونك، ولكنني لا أحيا إلا بك..