Friday, October 1, 2010

فقاعات الصابون


.






×××

صوت صفير الأجهزة حولها لا يكف عن الطنين، حتى حال طنينه إلى أزير أسد  في أذنيه، وكأن صفيرها ينتظر اللحظة التي يعلن فيها عن رحيل دقات قلبها.

أكياس دماء تحلق فوق فراشها، كفراشات دامية، قاتلة. ودماء تقطر.

إبر، أدوية، ممرضين. بات لا يطيق أي من هذا.

حتى دقات الساعة بدأت تتململ من إنصاته لها. تتباطأ في كسل وكأنها تتحرك رغما عنها.

"لولاك يا وفاء لما صبرت على هذا المكان". فكر في نفسه.





تأمل وجهها الأبيض الشاحب، وعينيها المستترتين خلف جفنيها النائمين، وشفتيها اللتين ازرقتا بلون الأدوية.

الطعام الوحيد الذي تحصل عليه يصلها من كيس "سكر" يحلق فوق سماءها، فقط ليعكر صفوها.





جال بنظره في الغرفة البيضاء. راقب أشعة الشمس تحاول التسلل من فلجات الستائر، ثم حول نظره إلى الأزهار التي أحاطت بفراشها من كل جانب، ثم رفع بصره إلى البالونات الملونة التي تتراقص مع أنسام الهواء.





وعاد يحدق إليها.





أمسك بيدها اليمنى بكلتا يديه وطأطأ رأسه. "لقد مرت عشر ساعات على انتهاء العملية، يجب أن تفيقي الآن". فكر هو.

لن أطيق الخروج من هنا بدونك، ليس بدون يدك لتمسك بيدي. مستحيل ! ""

ارتفع صوت طنين الجهاز. ولأول مرة، بدا طنينه كأحلى موسيقى تطرب أذنيه، كاد أن يرقص لولا أن عينيه تعلقتا بها في انتظار أقل إشارة لاستيقاظها.

كان يراقب أقل تحركات جسدها، منتظرا تمتمة غير مفهومة أو حركة إصبع، أو حتى رفه جفن.





مرت دقائق وهو بنفس الحال، وطنين الجهاز الذي منذ ثوان قليلة كان مبشرا، أصبح مزعجا أكثر فقط لا غير.

شعر باليأس يغلبه مرة أخرى في معركته.

حتى وضع يده على خده. "وفاء أين أنت؟" كلمات خرجت من بين شفتيه دون أن يشعر.





شعر فجأة بحركة طفيفة. فرفع ناظريه ليراها تصارع لكي تفتح جفنيها. فأحكم قبضته على يمناها وقال "هل تسمعينني؟".

وببطء شديد وثوان مرت كسنوات، فتحت عينيها.

صور مبهمة متداخلة، وأصوات هائمة، دقات متباطئة وطنين شديد الإزعاج.

وشبح غريب يحدق بها.

من أنت؟ سؤال أبى الخروج من بين شفتيها.

مرت عدة ثوان، ارتدت فيها الصور تفاصيلها، رويدا رويدا، اتضحت لها معالم الشبح الغريب.

هذا ليس شبحا غريبا، إنه شادي.

بقوى خائرة، وجسد واهن، مالت برأسها تجاهه. ثم تبسمت.

[ابتسامة] رسمت بشكل تلقائي، بالرغم من جسدها المتعب وعينيها المنهكتين.

بقلب يكاد يخرج من صدره فرحا، وعينين تشعان بهجة، قال "وفاء؟".

ردت بصوت خافت وحنجرة لم تستخدم حروفها منذ مدة "شادي".

رفع سبابته إلى شفتيه وقال "لا تتحدثي كثيرا".

ثم وضع يده في جيبه قائلا " أحضرت لك شيئا".

تابعته وفاء بنظراتها المتأملة.

فأخرج من جيبه علبة صغيرة أسطوانية، وردية اللون وقال ضاحكا "إنها فقاعات الصابون".

اتسعت ابتسامتها حتى بانت ضروسها الخلفية وقالت بسعادة لائمة "شادي".

أشار بسبابته إلى شفتيه مرة أخرى وهمس "شششششش".

ثم فتح العلبة بعجل، وأمسك بغطائها ذي العصا التي في آخرها دائرة مفرغة، ثم غمرها في الصابون

.

تبسم...



قربها إلى شفاه وفاء.

نظرت إليه، ثم أغمضت عينيها ونفخت فيها.

وتماما كالسحر، انطلقت فقاعات الصابون إلى الهواء. عاكسة شتى ألوان الطيف.


No comments:

Post a Comment