Monday, October 18, 2010

المرات الأولى


×××
عندما تولد المشاعر لأول مرة، تترك في القلب أثرا لا ينسى، وتطبع على جدران ربيعنا بصمة تنحت في الذاكرة إلى الأبد..
لهذا السبب بالتحديد، نتذكر أول يوم دراسي في حياتنا وشعورنا عند فراق أمهاتنا ذلك اليوم، نذكر أول مرة قدنا فيها سيارة أو غنينا بصوت جهور أمام حشد من الناس. تلك الذكريات بكل ألوانها تصبح شعاعا ينير حياتنا.
هكذا كانت بالنسبة له، كانت أول نبضة قلب تسارعت، أول رجفة سعيدة متوترة، وأول شعلة أضرمت في قلبه.
لسبب خفي لا يعيه، كانت مجرد رؤيتها تشرق يومه، وسماع حديثها أعذب من هدير الماء أو تغريد البلبل.

×××

بعد ثلاثة أيام سيغدو في الثامنة من عمره، لقد ازداد طوله 20 سم عن السنة الماضية. ازداد صغر العالم في عينيه الواسعتين، فالبارحة استطاع الوصول إلى البسكويت أعلى الرف في المطبخ وشعر بإثارة غامرة بينما أخذ البسكويت بدون إذن والدته.

إنه رجل كبير الآن. عمره 8 سنوات [ إلا ثلاثة أيام ]...

تأمل انعكاس صورته على المرآة، وعدل لياقة قميصه ثم تناول المشط وشذب خصلات شعره.
"سأعطيها الكعكة اليوم" فكر بينما كان يلمس شعره بيديه...
سوى تجاعيد قميصه، ثم تناول العطر الرجالي الذي أخذه من غرفة والده و رش رشتين على قميصه وعنقه.
ألقى نظرة أخيرة على مظهره، تبسم ثم رفع يده ونفخ فيها ليتحقق من انتعاش أنفاسه. ثم غادر الغرفة موصدا الباب خلفه.

×××

منذ أن لمحتها عيناه... شغلت قلبه وعقله، ببراءة تفكيره وقلة تجاربه قال له عقله الصغير أنها لابد وأنها تريد رجلا وليس طفلا صغيرا...
أخفى براءة عينيه الواسعتين بنظرة مصطنعة نصف نائمة، أخفى ضحكته التي غالبا ما تبدأ بحرف الخاء، وحاول قدر الإمكان ألا ينفعل حتى لا يحمر خديه.

مشى في طريقه إلى مبناها المجاور لمبناهم، بثقة بدأت تتزعزع كان يفكر بالعودة يوما آخر. إلا أن قدماه أبت التراجع... ليس اليوم أيضا.

وصل إلى المبنى ثم صعد الدرجات وبدأ يتعرق متوترا...
إنها الشقة... أخذ نفسا عميقا ثم رفع يده وطرق على الباب.

فتحت والدتها الباب.. "مرحبا جوني"
"مرحبا" رد بتوتر.. "هل فنيسا في المنزل؟"
"أجل، لحظة سأناديها.." ردت وهمت بالدخول لمناداة فيسيا.

بعد لحظات ظهرت فنيسا على عتبه الباب. بشفتين حائرتين بين الابتسام والصمت. وخدين متوردين احمرارا. وضفيرتين على جانبي وجهها الأخاذ.

"مرحبا جوني" قالت بحياء.
"مرحبا" قال متذكرا أن يصنع نظرته النصف نائمة. "أحضرت لك شيئا".
ثم ناولها الكعكة [ مغلفة بورق هدايا زهري ] التي مضى عليها أسبوعين اثنين.
أخذتها و همت بفتحها.. وما أن فتحتها حتى صدمت من المنظر. كانت الكعكة مكسوة بالبكتريا والفطريات حتى اكتسبت لونا أخضر باهت.
تقززت من المنظر.. وبعفويتها الطفولية رسمت وجها عابسا على ملامحها. رمت الكعكة بوجهه وهربت إلى الداخل.

تسمر هو في مكانه. لا يدري ماذا يقول أو يفكر. مرت ثوان حتى استوعب الأمر في عقله. صاح غاضبا وركل الهواء بقدمه.

×××

عاد إلى منزله دافنا رأسه بين يديه بمشاعر مضطربة ونهاية غير متوقعة.
رمى بجسده على أول كرسي قابله.
كان والده مارا بالردهة عندما رأى منظر جوني الصغير. تعجب في نفسه ثم توجه نحوه.
"ما بك؟" سأله والده.
"لا شيء" رد متزمتا.
" هل يتعلق الأمر بـ فنيسا؟" قال بحذق.
رفع جوني ناظريه إلى والده وحدق به مطولا.. ثم قال مستسلما "أجل".
تأمل والده المظهر الذي يحاول أن يبدو عليه... ثم تفهم الأمر تماما.
"جوني" قال والده ... "هل ظننت أنك عندما تبدو أكبر سنا ستثير إعجابها؟"
رد جوني شاعرا بقلة حيلته "أجل".
أطلق الوالد ضحكة صغيرة ثم قال "ليس هذا ما تريده هي
!" ..
حدق فيه ابنه مطولا فتابع حديثه قائلا "لقد قابلتها. إنها فعلا معجبة بك. عليك فقط أن تكون نفسك..."

تابع جوني تحديقه منتظرا تشجيعا أكثر. فقال والده "ثق بي. أنا أعرف... هل تريدني أن أدعوها لحفل ميلادك؟"
هز رأسه نافيا وقال بثقة "سأدعوها بنفسي".
قام عن كرسيه وخلع معطف بذلته ثم رفع يديه إلى رأسه وقام بتخريب تسريحة شعره المهذبة.
ضحك والده وقال "رويدا رويدا".
أسرع جوني خارجا وأوصد الباب خلفه. ركض على الطريق ومر بمحل لبيع الأزهار واشترى زهرة حمراء من أجلها.
طرق الباب.
فتح الباب، وظهرت خلفه فنيسا. تفاجأت بعودته مرة أخرى.
فقال لها: آسف بشأن الكعكة. أردت أن أعطيك إياها منذ أسبوعين، وانتهى بها الأمر إلى الفساد.
ضحكت هي. ناولها الزهرة.
أخذتها وتبسمت له مرة أخرى. حك رأسه خجلا.
فقال لها "هل تستطيعين أن تأتي لحفل ميلادي بعد ثلاثة أيام؟"
ردت "سأسأل أمي.. لكنها لن تمانع" وتبسمت مرة أخرى.

×××

نفخ جوني شموع الكعكة، تمنى في قلبه أن يحصل على دراجة جديدة هو و فنيسا، لكي يتنزها معا. نظر إليها بقربه وتبسم إليها ثم قال "هل تريدين بعض الكعك؟"
ضحكت وقالت "أجل. بشرط ألا يكون فاسدا".
أطلق دوني ضحكته التي تبدأ بحرف الخاء، عالما أنها غريبة جدا. لكنه علم في قلبه أنه أصغر من أن يبالي.
كان والده ووالدته يتأملان المنظر من مكانهما. شيء في تصرفات جوني و فنيسا معا حركت مشاعر في قلبيهما. شعور أول حب في حياتهما. تبسما لبعضهما. ثم تعانقا. وأملا أن يشيخا بهذه المشاعر ذاتها.

×××

2 comments:

  1. Niiiiiiiiiiiiiiiice
    Like shdeed
    i thought k2ni bgra g99a li katb kbeer kda
    ma shaa allah

    ReplyDelete
  2. رائعه للغايه
    إن كنتِ حقاً توقفتي عن الكتابه فأرجو منكِ التراجع عن هذا القرار =)..

    ,
    صارلي زمان ما قرأت شي يستحق القراءه بجد .. واتمنى اقرأ اكثر ^^

    ReplyDelete