Monday, September 6, 2010

× كبريــــــــــــــــــاء ×

كسر الصمت صوت الماء المندفع من الصنبور..
مازالت يدها متصلبة بالشكل الذي ألقت به خاتمها إلى حتفه، فمشى هو بخطواته الواثقة إلى المغسلة، وجال بنظره فيها..
ولم يجد أثرا للخاتم الذهبي، فنظر إلى بنصرها الأيسر ليمحو شكوكه حول رميها للخاتم
..
- "لا تتعب نفسك" قالت سارة "لقد رأيتني أرميه"
- "أعلم هذا" قال أحمد بتكبر "لكنني أتأكد وحسب"..
- "لا داعي" قالت هي بازدراء في طريقها للخروج من المطبخ وباتجاه الشرفة..
فتح باب الشرفة، ودخلت سارة ثم جلست على الكرسي إلى يمينها..
لم تمر لحظات حتى دخل أحمد، وجلس على الكرسي الآخر..
حدقا ببعضهما لثوان، حتى قال أحمد بجفاء: "لم فعلت هذا؟"
"هذا ما أردت فعله" قالت ببرود "ماذا ستفعل؟ هل ستطلقني؟"
ثم ضحكت بصوت عال..
فابتسم هو بخبث قائلا "كلا، بل سأبتاع لك واحدا آخر" وضحك بخفوت..
- "استسلم يا أحمد" قالت وهي تحدق فيه بثبات "لن أحبك"..
- "أعلم ما تريدينه... ولن أفعله مهما حدث"..
ضحكت بصوت عال وقالت "أنت تعلم أنني لم أتزوجك إلا لمالك وحسب".. صمتت ثم قالت "أما قلبي فلن تحصل عليه مهما فعلت"
- "وماذا إن جعلتك تحبينني؟"
- "الشيء الوحيد الذي أحببته بك كان مالك"صمتت ثم قالت بجفاء "ولم تعد تملكه الآن.. أنت مجرد رجل فقير، ولست أي شيء بالنسبة إلي"
ابتسم وكأنما أطرته لأبعد الحدود..
ثم دار بينهما صمت جديد، لم تخفف من حدته إلا النسمات العابرة، وضوء القمر الوليد..
فتطايرت خصلات شعرها، ولمعت عيناها بنور غريب.. نظر إليها أحمد، فتعجب من تحجر قلب هذا الجمال، وغريب قول هذا اللسان، وتلك النظرات القاسية لهذه العينان الساحرتان..
كسرت سارة الصمت بقولها: "لم أعد أحتمل"... ثم قالت ببرود دون أن تنظر إليه "طلقني يا أحمد"..
لم يبد أحمد أي تعبير فقد اعتاد على سماع هذه الكلمات..
فتبسم وقال "لا شكرا"..
هم بالمغادرة ولكنها أمسكت بساعده..
نظر إليها بنظرات باردة، أخفت حبا ومشاعر جبارة، ورغم جميع محاولاته لكسب حبها، كانت سارة أعند امرأة قابلها، وأقسى إنسانة رآها، لم تعطه من حبها ذرة ليعود بها إلى رشده، ورغم كل هذا ظل أحمد يحبها ومازال..
وتحمل العذاب، عذاب حبه لامرأة ليس له مكان في قلبها، لكنه بات لا يظهر حبه، لم يرد لقلبه أن يتعذب أكثر، فصار يخفي مشاعره المتقدة بنظراته الباردة..
والتي يرمقها بها الآن..
"أنا مصغ" قال بجمود..
علقت نظرها عليه وقالت بنبرة راجيه "دعني أذهب، مكاني ليس هنا معك"..
ولأول مرة، رأى أحمد سارة بهذا المنظور، إنها لم ترجو أحد قط، تفعل ماتريد وتأخذ ماتشاء ويحلو لها بأي شكل أو طريقة..
"اتركني اذهب"

تردد صدى الكلمات المعلقة في الأجواء..
وكأنما سمعها لأول مرة، تبلد أحمد في مكانه، وخفق قلبه بشدة، كاد يسقط أرضا لولا ان تمسك بالجدار..
ومع انه لم يظهر شيئا، كانت الكلمة كالساقطة تسقط على رأسه، فلم ينبس ببنت شفة، وظل واقفا..
حتى صاحت سارة "أحمد!! "
عاد إلى رشده وهز رأسه بسرعة، وسار في طريقه كانما لم يسمع..
فوقفت من مكانها وصاحت "عد إلى هنا، إنني أحدثك!! "
فتوقف فجأة والتفت بحدة عائدا إليها وصاح "لا أريد"
فزعت سارة، فلم تره يفقد أعصابه قبلا..
تقابلا وجها لوجه، فاعتراها الخوف، فقد كان هذا جانبا جديدا من أحمد..
فصاح بها مرة أخرى "لا"
فحاولت أن ترد بالقوة "مابك؟... أنا لم أعد أحتملك؟؟"
- "أنا أحبك" صاح بها "ألا تفهمين؟.. ولا أريد ان أراك مع رجل آخر"
- "وما شأني إذا كنت تحبني؟"
- "يالك من انسانه أنانية، طوال هذه الثماني سنين، حاولت أن أجعلك تحبينني، فعلت لك كل شيء، كل شيء!! لكن أنانيتك كانت دائما في الطريق!! "
- جفلت سارة وصمتت..
- "أنت قاسية!! ألا تفهمين أنني أحبك ولن تجدي من يحبك أكثر مني أيتها الحمقاء؟"
- "أنا حمقاء؟" صاحت لترد عليه "أيها الـ.."
- "ماذا؟؟" قاطعها صارخا..
صمتت سارة فلم يصرخ أحد بوجهها قط، كانت هي من يصيح ومن يطاع، فبدا لها قويا جدا، كأنما حامت حوله سحابة من هيبة..
تبادلا النظرات لثوان..
.
.
"سارة.. " قال أحمد مشيحا بوجهه "لقد فقدت أعصابي"
لكن سارة لم تشعر بنفسها تميل إليه وتنكسر أمام جبروته..
"لا بأس" قالت وهي تعانقه..
تعجب أحمد في نفسه، "ما الذي يجري؟"
وكأن شيئا استيقظ في قلبه الحزين.. وأصبح كل شيء أكثر وضوحاـ تفتح عقله ورأى كل شيء بمنظور آخر..
ربما كان شيئا ما في لفظ "ثمان سنين" أعاد إليه أليم الذكريات وأسودها.. سيئها ومرها..
وكانت يداها حوله تماما عندما نظر إلى الأرض بأسف وقال ...
"يكفي...أنت طالـــق"
أبعد يداها عنه بحزم وغادر الشرفة قائلا "الوداع"
.
.
.
عم السكون في المكان..
لم يبق شيء على الأرض إلا وقد رثي لها، حتى رثت هي على نفسها..
.
.
طالق؟... هل هذا حقيقي؟.. أليس هذا ما أردته؟.. إذا لماذا.. ؟
عادت بذاكرتها إلى سنتين في الماضي، وسط شجار مع أحمد..
"لقد اعتدت أن تحصلي على ماتريدين.... أنت مدللــة"
تردد صدى تلك الكلمات في ذهنها..
"هل هذا معقول؟" تمتمت في ذهول تام..
أحمد على حق، فكرت سارة، ما الذي فعلته؟.. أنا.. لا أستحق شخصا مثل أحمد..
هوت دمعة من سارة،.. سارة متحجرة القلب، سارة القاسية، التي لم ترحم قلب رجلا أحبها بكل كيانه وروحه..
ولم تشعر إلا بحرارة دموعها المنهمرة على خديها..
لقد فعلت هذا بنفسي.. لقد خسرته للأبد...

×

No comments:

Post a Comment