Monday, September 6, 2010

أمام المرآة


أمام المرآة
.
.
جلست تحمل المقص بفتور، تحدق إلى بؤبؤي عينيها الأسودين ، وتراقب كحلها يسيل على خديها مرافقا دموعها الساخنة.
حولت نظرها إلى الأرض . تأملت شعرها الذي - منذ ثوان قليلة فقط - كان على رأسها.
تنهدت...
ثم عادت تحدق إلى المرآة مرة أخرى، تأملت شعرها الذي بات قصيرا وطوله لا يصل إلى شحمة أذنها.
هوت دمعة أخرى...
مسحتها بطرف يدها، ثم لمحت آثار الكحل على يدها، فمسحت بيدها على فستانها عفوا.
تنبهت لما فعلته للتو!!
فوثبت من مكانها وأسرعت إلى الحمام لتغسل آثار الكحل..
غسلته بقوة، غسلت، وغسلت، وغسلت حتى كونت بقعة ماء كبيرة على الفستان.
لكنها لم تدر إذا كان نظيفا أم لا؟!
لأنه أسود اللون.
حدقت فيه بغضب، ولم تدر من تعاتب؟ الفستان أم نفسها؟!
أرادت أن تصرخ، لكنها شعرت بغصة في حلقها.
طوقت عنقها بين يديها، كأنها تحاول إنهاء حياتها.
أغمضت عيناها بشدة!
ثم أبعدت يديها وجلست على أرضية الحمام الباردة، ودفنت وجهها بين يديها، كأنها تخفي حزنها، أو ربما دموعها..
وتدفنهما بعيدا بالقرب من سعادتها...
"لو تعود فقط..."
همست بصوت غير مسموع.

××××

صاحت جيريمي "لا تحدثيني مرة أخرى!!"
أسرعت بخطاها نحو الباب حاملة معطفها الفروي بغضب، ثم فتحت الباب وأغلقته بأقوى ما يمكن.
تنهدت ايفيلين وفكرت، سأحدثها غدا عندما تهدأ.

××××

قادت جيريمي السيارة بسرعة جنونية وغضب متزايد حتى وصلت لمنزلها ثم ألقت بالمعطف على أقرب كرسي من الباب، كأنها تصب عليه جام غضبها، وهو من تسبب في غضبها.
ثم جلست على الكرسي الذي بجانبه.
تنهدت...
ثم أغمضت عينيها. عادت بذاكرتها إلى ما حدث...
بدا وكأنها تسمع الأصوات من حولها، وتشعر بالأشياء من حولها..
المشهد يعيد نفسه.

××××

جيريمي "ايفي أين أنت؟ نحن على وشك أن نبدأ؟"
ايفيلين "يا إلهي جيريمي، الوضع جنوني في المستشفى. سأحاول أن أنهي مناوبتي بأسرع ما يمكن"
- "أسرعي ايفي، إذا لم تأت هذه المرة..."
- "أعلم جيريمي، أدرك أهمية هذا الأمر بالنسبة إليك"
- "ايفي..." قالت بنبرة تهديد.
- "أعلم، سأحاول أن أكون هناك بأقصى سرعة، والآن وداعا علي الذهاب"
أغلقت السماعة...
ظلت جيريمي تحدق في سماعة الهاتف، حتى نادتها إحدى الفتيات قائلة " جيمي، هيا بنا، عليك أن تقصي الشريط الأحمر. يا إلهي كم أنا متحمسة!" وأسرعت بالمغادرة.
عادت جيريمي تحدق إلى سماعة الهاتف، وتتذكر عدد المرات التي لم تأت فيها صديقتها ايفيلين بسبب عملها.
ثم قالت لنفسها " ليس هذه المرة، إنه افتتاح صالوني الجديد"
حاولت أن تقتنع بما قالته، وهمت بالمغادرة، فنظرت إلى انعكاسها في المرآة، تتأمل جمال الفستان الذي ترتديه. ليس في شكله وحسب، بل في قيمته في قلبها. إنه هدية ايفيلين بمناسبة الافتتاح.
ابتسمت تلقائيا وغادرت.

××××

انتهت الحفلة، وغادر الجميع تاركين الصالون بحالة يرثى لها.
ايفيلين.. ايفيلين لم تحضر بعد.
جلست جيريمي على أحد الكراسي تفكر في وعود صديقتها الفارغة بغضب شديد.
فجأة اقتحمت ايفيلين الصالون بعجل وهي تنظر حولها باحثة عن الضيوف "هل غادر الجميع؟" سألت ايفيلين.
- " نعم، إلا أنا"
- " اه، إنني آسفة يا عزيزتي. ان المرضى.."
قاطعتها جيريمي " لا ينتهون؟ "
صمتت ايفيلين.
صاحت جيريمي بغضب " مثل كل مرة ايفيلين مارك ستيوارت، صالوني لا يهمك بشيء وأنا لا أهمك بشيء!"
حدقت فيها بغضب ثم صاحت " لا تحدثيني مرة أخرى "

××××

تردد صدى هذه الكلمة في ذهنها.
لم تشعر بالوقت يمضي، سارحة في أفكارها الخاصة.
فجأة رن الهاتف.
جفلت لوهلة ثم نظرت لساعة يدها.
"لقد مرت قرابة الساعة" همست.
مازال الهاتف يرن.
نهضت ثم ردت على الهاتف " مرحبا، منزل ميد"
رد عليها " مرحبا، هل أنت الآنسة جيريمي ميد؟ "
- "نعم هذه هي، من أنت؟ "
- " أنا ويليام ويلكس، أعمل بمستشفى الوعد. الآنسة إيفيلين ستيوارت عينتك كالشخص الذي نتصل به في حالة..."
قاطعته قائلة بفزع " ماذا حدث لها؟ "
خفق قلبها بشدة.
- نحن نحتاجك أن تحضري هنا وبأقصى سرعة، إن حالتها خطرة "
انسل الهاتف من بين يديها.
همست وهي تحدق في الفراغ " يا إلهي أرجوك لا "

××××

وصلت جيريمي إلى المستشفى وهي مازالت تفكر بما حدث للتو.
هرعت إلى عاملة الاستقبال "ايفيلين ستيورات لو سمحت، وصلت هنا منذ قليل. أنا جيريمي ميد "
- " إنها في الغرفة 4311 في الطابق الرابع، انعطفي في نهاية الرواق يمينا "
تمتمت "شكرا" وأسرعت باتجاه المصعد.
كانت جيريمي مشوشة حتى الآن، تلتهم أظافرها بتوتر.
تذكرت كلماتها لأعز صديقاتها..
" لا تحدثيني مرة أخرى "
أغمضت عيناها بقوة "حمقاء!"
فتح الباب.
أسرعت باتجاه آخر الرواق لتجد الطبيب خارجا من غرفة ايفيلين.
نظرت إليه بتوسل.
فرد الطبيب مجيبا تساؤلاتها بأسف "أعتذر، لقد فعلنا كـ..."
لم تسمع جيريمي كلمة مما قاله، كان حديثه طلاسم أحرف لم تفهمها.
حدقت في الفراغ.
شعرت وكأن القدر يعاقبها لأنها لم تعذر ايفيلين.
والآن، أين إيفي؟
" لا يمكن ".
دخلت الغرفة، لتجد ايفيلين مستلقية على السرير، مدفونة بين أكوام من الأجهزة.
مشت ببطء نحوها.
وكأن قدماها لا تريدان حملها.
ايفيلين... بريقها وجمالها... اختفيا.
إنها شاحبة اللون.. صفراء.
أبعدت جيريمي خصلات شعرها عن عينيها.
بدأت جيريمي تشعر بضياع روح ايفيلين.
لم تتقبل الأمر لكنها فهمته على الأقل.
هوت دمعتان من عينيها.
تبعهما سيول من الدموع.
أمسكت بيدي صديقتها، وأحكمت عليها.
" آسفة " همست جيريمي.
ضغطت على يديها بقوة وقالت " سامحيني".

××××

أمام المرآة...
أسرح في الأيام الخوالي...
أمام المرآة...
أتذكرك ببراءتك وعفويتك
أتحسر...
على أيام غدت ذكريات وحسب، منحوتة في الذاكرة.
بين طيات السنين.
أيام عشناها سوية
انتهت بسرعة...
باغتتني على غفلة، كيف أعذر نفسي؟
كيف أعذر نفسا آذتك؟
فدموعي لن تطهرني، حسرتي لن تفيدني
لا، لن تعيدني.
أحدق في الماضي أمام المرآة.
وأمام المرآة
أرى انعكاسك بقربي.

××××

No comments:

Post a Comment