Monday, September 6, 2010

ضحية الساتي


.~~.~~.~~.~~.


الليلة الثانية.

"إنه مريض جدا، لكنه سيكون بخير. هذا ما قاله الطبيب على الأقل".


الليلة الثالثة.
"إنه مريض منذ ثلاثة أيام، لا يبدو أنه يتحسن. لكنه لن يموت".


الليلة الرابعة.

"يبدو أكثر سوادا من البارحة، لا أرى أي تحسن. كل ما أراه هو التدهور. لكنني لن أتركه ليموت. لا لن يموت".


الليلة الخامسة.
"لا يبدو أن هناك مفر، لقد شارفت روحه على الهلاك، لم يعد يقوَ على الكلام. كيف سنترك أطفالنا في هذا العالم؟!".


الليلة السادسة.


دخلت لتعطيه الأعشاب التي يتناولها كل ليلة وتمده بالماء والغذاء اللذان يحتاجهما.
اقتربت من فراشه المنخفض، ووضعت الأوعية -التي كانت تحملها- على الأرض، ثم جلست بقربه.
نظرت إلى عينيه، فشعرت بالألم ينفذ من بين جفنيه.
"يدعى أبهي" فكرت هي، "أي الذي لا يهاب، كم يبدو ضعيفا الآن".
لمست جبينه، ثم نقلت يدها لتلمس وجهه.
كان باردا.
"سأعطيكَ دواءكَ الآن" قالت هي.
رفعتْ رأسهُ بيدها اليسرى، وناولتهُ الدواء بيدها اليمنى، وبدلا من أن يرتشفه كما كان يفعل دائما، سال الدواء من طرفي فمه بينما يزال فمه مفتوحًا.
تعجبت هي، وقامت بوضع رأسه بروية على الفراش، ثم مسحت الدواء من طرفي فمه.
تناولت جرعة أخرى من الدواء في يدها اليمنى، وكررت الحركة برفع رأسه، ثم أعطته الدواء في فمه لكنه ما لبثَ أن سال من طرفي فمه مرة أخرى.

فزعتْ.

لمستْ جبينه مرة أخرى، هل يمكن؟!
وضعت يدها على رقبته. ثم فزعت ووثبت من السرير ثم سقطت على الأرض فأراقت الماء والطعام.
كانت تنظر إليه بفزع.
"لقد... لقد مات أبهي".
هنا، سمعتْ صوتَ أحدهم ينادي من خلف ستارة الباب الرئيسي.
"مرحبا، أريد أن أرى أبهي".
كان صوته كالساقطة تسقط على رأسها. لم يكن موت أبهي هو خوفها الوحيد، بل موتها هي الذي سيليه.
"سيعرفون أن أبهي مات، ثم سيحرقونني أنا! ما مصير ابني أميتاب؟ وماذا عن أبناء أختي؟".

صاح الرجل من خلف مرة أخرى "أستطيع أن أراك، سأدخل الآن".
اتخذت هي قرارا لحظيا.

قررت الهرب.


هرعت إلى غرفة الأطفال.
صاح الرجل من خلف الستارة "إلى أين تذهبين؟"
أيقظت الأطفال من نومهم.

لن تشرد ابنها كما شرد أبناء أختها. لقد رأت الأمر يحدث سابقا، ولم تستطع فعل شيء. فقد ذهبت أختها مطاوعة، لكنها لن تذهب بقدميها إلى المحرقة.

ارتدت عباءتها الواسعة ثم حملت ابن أختها الوليد على ظهرها، وأمسكت بيد ابنها بيدها اليمين، وبيد ابنة أختها بيدها اليسار.

كانت على وشك الخروج عندما رفعت رأسها لتجد رجلا ضخم الجثة يسد طريق الغرفة.
فزعت، ولاحت لها صورة محرقة النعش في مخيلتها.
صاحت به متراجعة إلى الخلف "ماذا تريد؟".
قال هو "إلى أين أنت ذاهبة؟".
-"هذا ليس من شأنك" صاحت هي.
تراجعت قليلا إلى الوراء مرة أخرى، وأحكمت بساعدها على الوليد الصغير، ثم ضمت الأطفال إليها.
"لقد توفي زوجك".
صمتت هي.
عاد يتحدث "وأنت تنوين الهرب، أليس كذلك؟".
لم ترد عليه، واكتفت بالتحديق إلى عينيه.
-"ألا تخجلين من نفسك؟ ألست حزينة لموت زوجك؟" صاح بغضب.
هنا خرج من الغرفة متجها إلى خارج المنزل.
تفاجأت هي.

"ألن يسلمني لكي يحرقوني؟" تساءلت في نفسها.
كانت متعجبة من تصرفه. مترقبة لما سيحدث. وما ينويه هذا الرجل؟

لم يكن هناك وقت، كان عليها الهرب؛ لحماية نفسها وأطفالها.
كادت أن تخرج من المنزل، لكنها تفاجأت بجمع غفير من الرجال، يحملون حرابهم بين أيديهم. يترأسهم نفس الرجل الخبيث.
نظرت بفزع، واعتراها الخوف.
صاح الأطفال خائفين، متشبثين بعباءة أمهم.
ركعت على ركبتيها تحتضن أطفالها، لقد علمت أنه الوداع.
قبلت كل منهم على جبينه وخده.
"اهتم بهم يا أميتاب، أنت أكبرهم الآن".

سحبها الرجل من عباءتها ففزعت، فارتفع صوت بكاء الأطفال.
كان يسحبها بعنف وهي تصارع وتضرب الهواء بقدميها.
حملها الرجل بمساعدة رجل آخر، أما جثة أبهي فقد حملها رجلان آخران، متجهين إلى محرقة النعش.


لاحقهم أميتاب بنظراته الباكية.
إلى أين يأخذون أمه بعيدا عنه؟
أحكم قبضته الصغيرة وقرر اللحاق بهم فترك إخوته خلفه، وركض ليلحق بالرجال. سامعا صيحات أمه، وعاجزا عن فعل أي شيء.

وصل الرجال إلى المحرقة.

صاحت هي "اتركوني! لدي أطفال لأعيش من أجلهم! من سيعيلهم؟ لمن سأتركهم؟"
كانت تهدر صيحاتها سدى، فلم تسمعها إلا الجدران.
تصيح وتبكي، لا أحد يسمع، ولا أحد يهتم.
قلوبهم كانت أحجارا.
في رأيهم أنها يجب أن تكون حزينة لموت زوجها، ويجب عليها أن تتطوع لحرق نفسها، لكنها كانت خائنة في نظرهم. لا تحب زوجها ولم تحزن لفراقه.
فإذا لم تطاوع لحرقها، فإنها ستحرق إجباريًا.


ربطت بحبال في لوح خشبي بسمك جذع شجرة.
كانت الحشود قد تجمعت، لم يكن الأمر جديدا.
إنها محرقة أخرى.

وُضعتْ في محرقة النعش ووضع زوجها بقربها.
انتهت دموعها وجفت، واستسلمت لمصيرها.
فجأة لاح لها ظل أميتاب الصغير من بعيد.
همست "أميتاب؟! هل هذا ابني الصغير؟!"
صاحت "إنه هو! أميتاب! أبعدوا ابني الصغير! لا تدعوه يراني هكذا".
شرع أميتاب في البكاء مرة أخرى، فصاح وعلا صوته، وركض باتجاه أمه.
كانت تصيح "لا! ابتعد يا أميتاب!".
قبل أن تكمل جملتها...

اشتعلت النيران.

فزع الطفل الصغير وتجمد في مكانه، ولم تقوَ قدماه على حمله.
كانت تصرخ من الألم، والنيران تحرق جلدها رويدًا، رويدًا.

غَطت إحدى النساء عيني الطفل الصغير، وحمته بملابسها.
بعد ماذا؟
استطاع أن يسمع صرخات أمه.
رآها تحرق!
ولم يملك إلا دموعه، فبكى.
لم يعي السبب، ولا ما اقترفته أمه من ذنب لتستحق هذا؟
أو ما فعله هو من خطأ ليأخذوا أمه بعيدًا عنه؟
لكنه فهم شيئا واحدا، إنه لن يرى أمه مجددا.
أما السبب فهو مجهول.


.~~.~~.~~.~~.

No comments:

Post a Comment