Wednesday, September 29, 2010

أنا وأنا الأخرى

×××

عطر بلا رائحة ولا طعم ذلك الذي ينبع من روحها، لونه أحمر قاتم، تماما كالدماء.
فقد عبيره عندما تخلت عن الحب في قلبها، واكتسب اللون الأحمر عندما كرهت نفسها وما حولها. وفقد طعمه عندما قررت الاستسلام وحسب. وتناست أن الجمال ينبع من قلبها لا من تقاسيم وجهها.


×××

أكره المرآة، أكرهها.
أكره ذلك الوجه القبيح الذي يحدق بي عندما أنظر إلى المرآة، وكأنها تبحث عن شيء ما.
تنظر إلي من خلال المرآة مثل كلب متوسل، إنها مقرفة، مقززة، أود لو أسحقها.
لا أستطيع أن أجد سببا واحدا ليجعل أي شخص يحبها، لاهي بالجميلة، ولا بالذكية، ولا بذات شخصية مثيرة للاهتمام.

×××

"كفي عن الحديث عني بهذه الطريقة، وجهي هو وجهك، ملامحي هي ملامحك".
- "منذ أن ولدت لم تنعتي إلا بأنف الساحرة والفزاعة، أنت قبيحة".
- "وما شأنك أنت؟"
- "ألم تقولي منذ ثوان أن وجهي هو وجهك؟"
- "أنا لم أختر أن نكون في جسد واحد".
- "هذا صحيح" ثم قالت بازدراء "لكنك ستضيعين بدوني، أنت في حاجتي".
- "أنا لا أريدك معي".
ردت بنبرة ساخرة "أنت نكرة بدوني".
طرق على الباب.
علقت نظرها على الباب ثم قالت "تفضل".
دخل فتى في العاشرة من عمره ثم قال "العشاء جاهز، آندي".
- "سأكون هناك حالا".

×××

نظرت لانعكاسها على المرآة.
تأملت مظهرها وشكلها، أنفها الطويل وعينيها الناعستين وشفاهها التي تكاد لا تكون واضحة. فقالت إيما في سخرية "حدقي إلى الأبد، لن تزدادي جمالا" ثم ضحكت بصوت عال.
ردت آندي "اصمتي إيما".

×××

بدأ الأمر عندما توفيت جدتي قبل ستة أشهر، كنا مقربتين جدا، في الحقيقة إنها أقرب إنسان لي.
كنت أصاب بالإغماء بسبب أو بلا سبب، ويصحب ذلك الإغماء فقدان ذاكرة مؤقت لساعات طوال. بعدها بدأت أسمع أصوات من رأسي، حسبت أنني أصاب بالجنون. عندها ظهرت إيما، أنا الأخرى.
مع أننا نتشارك القلب والعقل والخاطر، إلا أن إيما لها عالمها الخاص وأصدقاؤها الخاصين وذكرياتها الخاصة.
لكننا نتشارك في شيء واحد... كلانا يكره ملامح وجهي.

×××

استيقظت آندي الساعة العاشرة صباحا
نظرت حولها لتجد غرفتها في حالة فوضى عارمة. الكتب ملقاة على الأرض، ملابسها في كل مكان، وقطع الحلوى والبسكويت تغطي الأرضية.
حاولت أن تسترجع شيئا مما حدث البارحة، لكنها لم تستطع، نزلت عن فراشها وألقت نظرة على انعكاسها على المرآة.
تفاجأت بمظهرها.
تسريحة شعر غريبة ومساحيق تجميل حمراء وخضراء، ملابس سوداء جلدية لم ترها من قبل.
"ما الذي حدث هنا؟".
ردت إيما "صباح الخير أيتها الناعسة".
"إيما؟"
- "أجل" ثم ابتسمت بخبث.
- "ما الذي حدث هنا؟"
- "ما حدث يا عزيزتي، هو أنك سئمت العيش كمراهقة مطيعة وقررت الهرب من المنزل والاحتفال قليلا.. رقصتي وشربتي بضعة كؤوس وعدت إلى المنزل".
اتسعت حدقتا عيني اندي وقالت "لا يمكن".
ابتسمت إيما بخبث وقالت "بل يمكن، وحدث فعلا".
احمر وجه اندي غضبا وصاحت "أنت من فعل هذا ! "
ضحكت إيما وقالت "على أحدنا أن يقوم بالترفيه عنا".
صاحت آندي "أيتها الحمقاء" ثم لكمت المرآة بقبضتها، وما لبثت أن تساقطت قطعة قطعة على الأرض، محدثة صوتا مهولا.
هوت اندي على ركبتيها ودفنت وجهها بين يديها الداميتين وشرعت تبكي.
فتح باب الغرفة لتظهر زوجة والدها مارثا من خلف الباب.
رفعت اندي رأسها، لتتضح معالم وجهها المنتفخة والمحمرة إثر البكاء، ويديها النازفتين ومساحيق التجميل التي سالت على وجنتيها.
هرعت إليها مارثا قائلة "هل أنت بخير؟ هل آذيت نفسك؟".
إيما: "إنها مجرد حمقاء تكره المتعة".
آندي: "اصمتي أيتها الحمقاء"
تعجبت مارثا ولاذت بالصمت.
إيما: "عودي لبكائك مرة أخرى. لن تغيري شيئا مما حدث".
التفتت آندي إلى إيما وقالت "قلت لك اصمتي"
- "سأقبل شكرك في أي وقت، فقد قضيت وقتا ممتعا البارحة" ثم ضحكت.
احتقن وجه آندي باللون الأحمر وصاحت بغضب مسرعة باتجاه إيما رافعة قبضتها في الهواء.
لكمت الهواء فقالت إيما "يالغبائك... أنا في رأسك فقط".
ظلت آندي تلكم الهواء مرارا وتكرارا بلا جدوى، حتى توقفت لتلتقط أنفاسها.
فقالت إيما بسخرية "هل انتهيت الآن؟"
فلكمتها مرة أخرى.
إيما "حسنا كما تشائين، أتساءل ما رأي مارثا بعدما رأت كل هذا؟"
التفتت اندي لمارثا التي كانت مندهشة كل الاندهاش، بحدقتين متسعتين، وفم فاغر.
كانت تنظر لأندي وكأنها الشيطان يتجلى أمامها. بمظهرها البشع ويديها الداميتين وشعرها المرعب.
تمتمت بكلمات توبة لله ووقفت بروية على قدميها في ذهول.
فقالت اندي "مارثا، أنت لا تفهمين".
- "أظن أنني فهمت كل شيء" ثم هرعت مسرعة خارج الغرفة مغلقة الباب بإحكام خلفها، وتلا ذلك صوت إغلاق غرفتها في آخر الممر.
خفضت اندي بصرها وتخلت عن إحدى دموعها لتجري على خدها.

×××

كان الكره بالنسبة لها أسهل من الحب، لأنها لم تتقبل نفسها، لم يتقبلها أحد. هي التي نبذت نفسها، بسبب وجه لم يكن لها يد في انتقاء ملامحه.

×××

معزوفة صمت تتناهى إلى مسامعها الآن. عاصفة هوجاء تتجه إلى قلبها، فقط لأنها اثنان.
موسيقى صخب، تراقص وجدانها. كره، حقد وغضب. تعزف بإتقان. لتساير جميع مشاعرها المضطربة.

×××

- " ما الذي حدث اليوم يا اندي؟".
- "لا شيء يا أبي" ردت ببرود.
- "لقد قالت لي مارثا ما حدث سابقا... هل هناك خطب ما؟" سأل مثبتا نظره عليها، وكأنه ينتظر منها إثباتا لكلماته المتهمة.
- "لا". قالت دون أن تنظر إليه.
- "مارثا تظن أن هناك شيئا يجري معك".
- "دعها تظن ذلك".
- "اندي" قالت بنبرة متهمة مرة أخرى.
- "ماذا؟" قالت دون أن تنظر إليه.
- "ماذا أخبرتك عن طريقة معاملتك لمارثا؟"
نظرت إليه ثم عادت تحدق في الأرض.
فقال لها بنبرة ثابتة لائمة "هل تعلمين مقدار الرعب الذي سببته لها؟"
اكتفت اندي بالصمت.
أردف قائلا "اذهبي واعتذري لها الآن".
وثبت من مكانها كأنها لم تصدق أن محاضرته عن مارثا مرة أخرى قد انتهت. رمقته بنظرة أخيرة وغادرت الغرفة متجهة نحو غرفة مارثا.
رفعت يدها لتطرق الباب عندما سمعت حديث مارثا.
"إنها مسكونة أؤكد لك... لم أرتح لها منذ أول يوم لاقيتها فيه... أحيانا أشعر أنها ستمسني بنوع من الجن.. يا إلهي يا جين.. ماذا أفعل هل أترك المنزل حتى يأخذها جورج إلى المدرسة العسكرية؟"
هوت دمعة من عيني آندي. حملت نفسها وهرعت إلى غرفتها حيث ارتمت بكل ثقلها على السرير وشرعت تبكي على وسادتها.
رفعت رأسها وصاحت "هل أنت سعيدة هكذا؟"
صمتت ثم أردفت "لقد دمرت حياتي، تهاني الحارة إيما".
شعرت بحركة خلفها فالتفتت لتجد والدها ومارثا خلفه تحتمي بقميصه الأزرق، متشبثة به كطفل ذو أربعة سنوات.
عدلت جلستها ومسحت دموعها.
قال "إلى من كنت تتحدثين اندي؟"
ردت بازدراء "كنت أحدث نفسي".
"لقد قالت إيما، مرة أخرى" همست مارثا ظانة أن جملتها لم تصل لأذني اندي.
والدها "من إيما هذه؟".
كانت آندي تتأمل منظر والدها ومارثا في مشهد من الدهشة العظيمة، فلم تتمالك نفسها وضحكت بصوت عال. وتوالت ضحكاتها حتى أدمعت عينيها، كأنه جنون من نوع ما. ثم أخذت نفسا عميقا وقالت "إيما هي أنا.. أنا الأخرى يا أبي".
اتسعت حدقتا عيني والدها وصمت مذهولا.
فأردفت "ما بك؟ هاهي صريحة واضحة... أنا أعاني من تعدد الشخصيات يا أبي. وكيف لك أن تعرف، إذا كنت لا تعرف شخصيتي أصلا؟"
كان والدها مذهولا في مكانه فتمتمت مارثا "يا رب" ..في حين نادى صوت داخل عقلها "لقد علمت هذا".
اندي: "هذا الشهر السابع منذ وجود إيما معي، لكنها تتمادى هذه الأيام" صمتت ثم أردفت "لابد أنك تفكر الآن أن ابنتك قبيحة، غبية، بلهاء وفوق ذلك كله مجنونة".
تبسمت ثم قالت "انأ أظن ذلك أيضا". ثم ضحكت بصوت عال.
فقال والدها بنبرته الثابتة التي دائما ما تنبئ بكارثة "آندي، سآخذك للمستشفي لتلقي العلاج المناسب"
حدقت فيه آندي بغضب "لا تحدثني وكأنني مجنونة"
مد يده إليها وقال "ستكونين بخير".
أبعدت يده عنها بضربة من كفها وقالت "لن أذهب لأي مكان".
بدأ يهدئها ويقول "آندي أنا والدك، أطيعيني هذا لمصلحتك"
بدأت آندي تحاصر في الزاوية وهي تصيح "لا لا لا"
حتى اقترب منها وأحاطها بين ذراعيه القويتين بقوة وصرخاتها تعلو "لا لا لااا"

×××

ظلام
وفقدان ذاكرة آخر...


×××

No comments:

Post a Comment