Monday, September 6, 2010

أضعت ملاكي الصغير



××××

مثل قوس القزح الذي ينتج عن انعكاس قطرات المطر، تكون حيواتنا انعكاسا لتصرفاتنا. تصرفاتنا هي التي تشكل حياتنا، هي التي تنحتها فعلا. إما مزخرفا بالألوان، أو حالك السواد. أو ربما ما بين.

وضعت كوبها المخصص للقهوة على الطاولة الزجاجية، وأخذت شهيقا عميقا. وأطلت بنظرها إلى الخارج.
"مازال المطر يتساقط" فكرت في نفسها.

وضعت القلم من يدها. لقد توقف الإلهام هنا. مررت سبابتها على طرف كوب القهوة. وسرحت بتفكيرها قليلا.

مضت مدة منذ أن نشرت لي مقالة في الصحيقة، شيماء أصبحت تنشر مقالاتها كل أسبوع بدلا عني، بينما أنا أغرق رويدا رويدا.
"ينقصني الإلهام".
لا أدري ما الذي حدث لي؟! بت لا أستطيع الكتابة. وكأن يداي تصابان بالشلل بعد ثلاثة أسطر.

أمسكَت بالقلم مجددا، ثم ارتشفًت من القهوة الساخنة.

"عن ماذا سأكتب هذه المرة؟ ... ملاك الإلهام؟". توقفت قليلا، ثم ضحكت لسخرية أفكارها وقالت "أفكاري الصغيرة سأحتفظ بها لنفسي".
التفتت إلى الخارج لتجد أن المطر لايبدو أنه سيتوقف في وقت قريب، بالنسبة لها، كان جوا جميلا، مشجعا على الخروج.

"يبدو أنني سأخرج لاستنشاق بعض الهواء المنعش".
توجهت نحو باب المنزل وارتدت معطفها وحذاء المطر الخاص بها ثم تناولت مظلتها وخرجت.

كانت تمشي بخطوات بطيئة على رصيف الشارع الواسع، بدون وجهة محددة. لكن فقط لتتنفس الصعداء.
على رصيف الشارع كانت تصغي لكل ما هو حولها، ارتطام قطرات المطر بالأرض وتسارع خطوات الناس بجانبها، و صوت عجلات الأطفال..

كان هناك صوت أكثر هيمنة وعلوا من كل الأصوات.
صوت ارتطام قطرات المطر بمظلتها. مسيطرًا على المحيط القريب من أذنيها.
أغمضت عينيها وأصغت.
"أضعت ملاكي الصغير".

عد إلي.
لا أدري أين هو الآن؟ ربما في مكان ما بين محبرتي وقلمي. ربما أضعته في ثنايا أوراقي، أو متاهات عقلي؟

اشتدت ضربات المطر على المظلة. واشتد علو صوتها.

"ملاك إلهامي الصغير".


"ملاكي".
سأكتب عن جميع المشاعر والأحاسيس، سأجسد كل العواطف الجارفة، سأكتب عن الحزن والفراق، سأكتب عن المعاناة المكبوتة. وعن الآلام الصارخة. عن الوحشة والغربة، عن المآسي والأحلام المغتالة.

لكنني لن أغفل عن المشاعر الصادقة، لن أغفل عن الجمال في عالمنا المتقلب. سأرسم السعادة والأمل، سأخطُ بقلمي البهجة والحب. سأكتب عن العيش بين طيات الأمل. عن المرح في رذاذ المطر، عن العشق المأسور، والشغف في القلوب.

قصصا عن الحب بعد الكره، والسعادة بعد الحزن، سأحكي عن تقلبات أحوال الدنيا، مابين جميل و قبيح. مابين بلسم وجرح.

انسلت المظلة من بين يديها، ثم تبسمت وفردت كلتا يديها، ومازالت عيناها مغمضتين.

كان جميع المارة يحدقون بها، كانت على علم بهذا، وشعرت بنظراتهم المتعجبة تلاحقها، لكنها لم تهتم، ظلت تبتسم، وظلت تمد ذراعيها.
كانت قطرات المطر تتراقص على كتفيها تارة، وتقبل جبينها تارة. فيما كان الهواء يداعب شعرها.

اليوم... هنا... استعدتك. أعدتك إلي. ملاك إلهامي الصغير. كل ما أحتاج إليه الآن هو قلمي ومحبرتي فقط، لكي نعود معا للأبد..



××××

No comments:

Post a Comment